❗خاص❗ ❗️sadawilaya❗
بلال الموسوي
رغم كونها واحدة من أقدم مدن التاريخ، وموطناً لآثار رومانية شاهقة تشهد على عراقتها، ما زالت مدينة بعلبك ومحيطها تُقدَّم إعلامياً في صورة نمطية قاتمة، تختزلها بالأحداث الأمنية والسلاح المتفلت، متجاهلةً الوجه الحقيقي لمدينةٍ تعيش في قلبها حياةٌ نابضة بالثقافة والدين والحياة اليومية العادية.
العدسة المُنحازة:
في السنوات الأخيرة، ركّزت العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية على تغطية الخروقات الأمنية الفردية أو الاشتباكات المتفرقة في محيط بعلبك – الهرمل، ما خلق انطباعاً عاماً بأن المنطقة خارج السيطرة أو أنها تفتقر إلى الحد الأدنى من الاستقرار. هذه الصورة المُكرَّسة، وإن لم تُختلق بالكامل، إلا أنها لا تمثّل الواقع الشامل للمنطقة، بل تغفل عن تفاصيل كثيرة تشكّل جوهر الحياة اليومية لأهل بعلبك.
وفي هذا السياق، رأى رئيس تكتل نواب بعلبك الهرمل الدكتور حسين الحاج حسن أن "الصورة النمطية السائدة عن المنطقة والتي تُقدَّم على أنها خارجة عن القانون، هي صورة مضخّمة ولا تعكس الواقع الحقيقي". وأكد أن "بعلبك الهرمل تخضع للقانون كغيرها من المناطق"، معتبراً أن ما يُروَّج إعلامياً هو "استهداف سياسي ممنهج" يهدف إلى تشويه صورة المنطقة والتغطية على تقصير الدولة في واجباتها.
واقع مغاير:
بعكس ما يُسوَّق، يعيش آلاف المواطنين في بعلبك حياة طبيعية، حيث المدارس، الجامعات، المؤسسات الرسمية والخاصة، الأسواق، النشاطات الثقافية، والمناسبات الدينية والاجتماعية. الحشود التي ملأت شوارع المدينة خلال مسيرات عاشوراء الأخيرة، والتنظيم الدقيق الذي رافقها، كانا مثالاً على قدرة المجتمع المحلي على التنظيم، وضبط النفس، والتعبير الحضاري، حتى في مناسبات ذات طابع سياسي أو عاطفي عالٍ.
وفي هذا الإطار، أشار نائب رئيس بلدية بعلبك، الصحافي السابق عبد الرحيم شلحة، إلى أن "الإعلام يلعب دوراً رئيسياً في نهضة البلد، غير أن لبنان يتمتع بإعلام فوضوي إلى حدّ كبير، خاصة بعد تراجع الإعلام الورقي وظهور الإعلام الإلكتروني المتفلّت". وأضاف أن "تعاطي الإعلام مع أخبار بعلبك يختلف من وسيلة إلى أخرى، فمنها من ينقل بإيجابية، ومنها من يضخّم الأحداث البسيطة لتظهر كأنها تهديد أمني كبير، ما ينعكس سلباً على صورة المنطقة".
المفارقة:
في الوقت الذي تُعرض فيه بعلبك كمصدر تهديد أمني، تُهمل وسائل الإعلام الحديث عن الحراك المدني المتصاعد فيها، وعن أصوات تطالب بحقوقها الإنمائية، من تأمين الكهرباء والمياه والتعليم العالي، إلى تحسين البنية التحتية ودعم السياحة. كما يغيب عن الإعلام الدور الأساسي الذي تؤديه العائلات الكبرى، الجمعيات، والبلديات، في نزع فتيل الأزمات واحتواء المشاكل.
وفي هذا السياق، تضطلع الأحزاب السياسية، لا سيما حزب الله الذي يمتلك حضورًا شعبيًا ومؤسساتيًا واسعًا في المنطقة، بدور في محاولات نهوض المدينة وتصحيح صورتها. تشمل هذه الجهود تنظيم فعاليات اجتماعية وثقافية، تقديم خدمات تنموية في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، والمساهمة في حل النزاعات العشائرية والأمنية المحلية. كما تسعى هذه الأحزاب إلى إبراز الوجه الإيجابي للمدينة وإنجازاتها، والتصدي للروايات الإعلامية التي تركز فقط على الجانب الأمني، وذلك من خلال قنواتها الإعلامية ومشاركتها في الأنشطة المحلية.
تسويق الخوف على حساب الحقيقة:
يبدو أن بعض المنابر الإعلامية تفضّل العناوين السهلة والمثيرة – "اشتباك"، "مسلحون"، "مطلوبون" – على البحث في عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها بعلبك كغيرها من المناطق اللبنانية. هذا النوع من التغطية لا يكتفي بتشويه الصورة، بل يساهم في عزل المدينة وجعلها خارج دائرة الاستثمار والتطوير، ما يزيد من إحساس التهميش.
ويحذّر الدكتور الحاج حسن من أن "تقديم بعلبك الهرمل كمنطقة خارجة عن القانون يشكّل نوعاً من التهرب من المسؤولية الوطنية ويكرّس الظلم بحق أبنائها". في المقابل، دعا وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على "نسبة المتعلّمين المرتفعة، والطاقات الشابة التي أثبتت تفوقها في مختلف المجالات"، بدل التركيز الدائم على الجانب الأمني.
ختاماً:
بعلبك ليست مدينة خارجة عن القانون، بل هي مدينة خرجت منها أولى شرارات المقاومة، وفيها وُلد الأدب والفن والدين والثقافة. آن الأوان لأن تخرج من قفص التنميط الإعلامي، ويُعاد تقديمها كمدينة حية، تواجه أزماتها بإرادة ناسها، لا بانتظار كاميرات لا تراها إلا من ثقب الأزمة.